الثلاثاء، 20 مارس 2012

سـياسـة الموتى (2)

هـذا ثالث مقال لى والجزء الثانى لمقال
سياسة الموتى (1)حيث يدور حـول قضية منظمات المجتمع المدنى وسـفـر المتهمين الأمريكان لبلادهم فى حين ظل المتهمون المصريون داخل السجون وكيف استمر مسلسل الخضوع للسيادة الأمريكية بعد الثورة من قبل صانع القرار وهذا هو المقال : تحدثنا فى المقال السابق عن علاقة مصر بأمريكا وفى هذا الجـزء نستكمل الحديث الذى يدور بصفة خاصة حول أزمة منظمات المجتمع المدنى باعتبارها فصل من فصول العلاقة بين البلدين
وبداية أحب أن أنوه أنى لا أسـرد وقائع هذه الأزمة فقد استفاضت فيها وسائل الإعلام ما شاء الله لها أن تستفيض بالحقائق أو بغيرها ولكن الهدف هو محاولة متواضعة منى لفهم حقيقة ما حدث ولعلك تحاول عزيزى القارئ معى ذات المحاولة ربما تهدأ نفوسنا الثائرة قليلاً
أولاً لابد أن نفهم المقصود بمنظمات المجتمع المدنى : هى منظمات أهلية أى ليست حكومية وهى تعمل لخدمة المواطن داخل الدولة وتختلف حسب أهدافها  فمنها القانونية التى تعرف المواطن حقوقه داخل وطنه ما له وما عليه ومنها الحقوقية التى تدافع عن حقوق المواطن المهدرة ومنها الثقافية التى تهتم بالوعى الثقافى أو البيئى وهى على اختلاف اتجاهاتها فى النهاية تصب فى وعى المواطن وهى ليست أعجوبة جاءت بها ثورة 25 يناير ولكنها تعمل فى مصر منذ 2004م والسـؤال الذى يطرح نفسه هنا هل استيقاظ وعى المواطن يتوافق مع النظام السابق أو الحالى ؟ والإجابة بالقطع : لا وهذا أولاً
ثانياً : إن هذه المنظمات لا تنشط إلا فى المجتمعات المدنية وزيادتها مؤشر لمجتمع مدنى قوى قادم لا محالة
وهو ما يقاومه أعداء المدنية والثورة وهذا ربما يفسر رفض الحكومة سابقاً ثم لاحقاً الترخيص لهذه المنظمات المدنية
ورغم ذلك تركوها تعمل بلا ترخيص ربما لأن منها منظمات أجنبية لم يرد النظام السابق الاصطدام بها ولكنه رفض
 الترخيص لها حتى لا تنتشر وتصبح شوكة فى ظهر النظام
وبعد الثورة نشطت هذه المنظمات ولاسيما الحقوقية بسبب كثرة الانتهاكات التى كثر الحـديث عنها من 9مارس 2011م
وحتى يومنا هذا وأصبحت هذه المنظمات عائقاً كبيراً فى الارتداد بالثورة للخلف وعودة مفاهيم القمع والقهر
والخوف الذى ذاب مع الثورة ولنتتبع معا القصة التى بدأت بالهجـوم على مقار منظمات المجتمع المدنى
 فى أواخر ديسمبر 2011م  وهو توقيت اشتعال مصر بأحداث مجلس الوزراء
التى كانت حديث المصريين والعالم على حد سواء وتم مصادرة أوراق وحواسيب محمولة ومنعـت عناصر الأمن الموظفين من مغادرة المكاتب أثناء عملية المداهمة والتفتيش وبدأت الحملة الشرسة على المنظمات والحقيقة أن جماعة الإخوان وغيرها
من الجماعات الدينية وضعها وضع هذه المنظمات والعجيب أنها لم تنل شرف التفتيش ولا حتى الحديث عنها وعن طبيعة التمويل الذى تحصل عليه وهو أمر يثير التساؤل والدهشة معاً خاصة ورئيس الوزراء يقول سنطبق القانون المهم تدخلت أمريكا لحماية رعاياها العاملين فى هذه المنظمات ثم حصلت على وعد من الحكومة المصرية بوقف هذه المداهمات لمقار منظمات المجتمع المدنى على حد قول
المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند وبعد فترة هدأت الأمور قليلاً ولكن فجأة عاد الهجوم بشراسة على هذه المنظمات وتزامن ذلك مع مذبحة بورسعيد التى لم تشهد مصر مثيلاً لها فى تاريخها وبدأنا نقرأ فى الصحف عن العـثور على خرائط لتقسيم مصر ورصد لكنائس وجوامع ووحدات عسكرية وبدا الأمر وكأنها منظمات للتجسس
والحقيقة أن الجاسوس دائماً يعمل فى الخفاء متستراً بما لا يثير الريبة أو حتى الرصد وظهرت علينا الوزيرة المحترمة فايزة أبو النجا وكأنها شجرة الدر التى ستنقذ مصر  فى هذا الوقت العصيب كما فعلت شجرة الدر أثناء معركة المنصورة عندما توفى ملك البلاد وتلاها رئيس الوزراء فى تصريح عنترى ( مصر لن تركع ) وبدا وكأنه سيف الدين قطز الذى سيقهر التتار لو أنه اجتهد قليلاً وسأل أحد الباعة الجائلين عن رأيه فى هذا التصريح لأخبره أنها راكعة منذ عـقـود طويلة كما أوضحنا فى المقال السابق وبدأت القضية تسير وسط حماسة من المصريين لاستعادة الكرامة المسلوبة منذ أمد بعيد
ودقق النظر قليلاً عزيزى القارئ سترى أن أحداث بورسعيد استنفذت رصيد صناع القرار فى قلوب وعقول المصريين ثم جاءت هذه القضية ليرتفع معها رصيدهم بشكل لم يسبق له مثيل وغـفـل الناس بل ونسـوا أحداث بورسعيد وصارت ( كرامة مصر ) هى القضية الأساسية وفجأة بدأ العد التنازلى للسـجود وليس الركوع الواقع فعلا وتطوره الطبيعى السجود
سمعنا هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية تبدى تصريحات تفاؤل فى انفراجة الأزمة ثم تلاها تنحى هيئة المحكمة
بصورة غامضة وتشكيل هيئة جديدة تنظر القضية بين عشية وضحاها ثم استيقظنا على نهاية الفيلم المضحكة
نعم المضحكة لأن شر البلية ما يضحك لقد طار المتهمون مقابل حفنة من الأموال لامسمى لها ولا مبرر
وبدأنا ندور حول أنفسنا لتبرير هذا الموقف العجيب
ولكن بعد كل هذا من وجهة نظرى المتواضعة أرى أن هذا الموقف المختلق برمته ليس إلا محاولة يائسة لضرب عدة
عـصافير بحجر واحد وهى : إرهاب المنظمات الحقوقية التى تؤرق الحكومة وتشويه الثوار بالحديث عن التمويل الأجنبى والرجوع بالثورة للخلف واستقطاب مشاعـر المواطن البسيط الذى بدأ يستشعر حقيقة ما يحدث حوله
ولكن ما حدث يؤيده قول الشاعـر :
ليس كل ما يتمناه المرء يدركه               تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن
فإن النتائج كلها جاءت معاكسة لما تمناه النظام القائم حيث استمر الحقوقيون فى الدفاع عن المواطنين وارتفع رصيد
الثوار الذين سخروا مما حدث أما مشاعر المصريين فقد انقلبت لغـضب عارم لأن اللعب بمشاعر الوطنية لدى المصريين منطقة خطرة الاقتراب منها يجب أن يكون بحذر بالغ  وأضف إلى ذلك كرامة القضاء واستقلاله اللذين نال منهما هذه المسرحية إن سياسة هؤلاء هى سياسة من يحيا إكلينيكياً ولكنه لا يمكن أن يتحدى إرادة الله التى جعلت لكل شئ نهاية أراها باتت قريبة
          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق