الأحد، 18 مارس 2012

سياسة الموتى (1)

هذا  هو الجزء الأول لمقال سياسة الموتى حيث يتحدث عن العلاقة بين مصر وأمريكا وكيف تحولت مصر من سياسة الفعل إلى سياسة اللافعل بفضل صناع القرار الذين جعلوا منها ميتاً لا إرادة له مستكين لضغوط الأمريكان وهذا هو المقال: سياسة الموتى (1)
اتخذت العلاقة بين مصر وأمريكا شكل المنحـنى صعوداً وهبوطاً تعلو مصر فيه تارة مقابل هبوط أمريكا ولا تعجب عزيزى القارئ فسآتيك بالدليل على صحة كلامى وتارة أخرى تهبط مصر إلى أسفل سافلين و الحقيقة أن ملامح هذه العلاقة بدأت تتشكل مع قيام ثورة يوليو 1952م وطرد الملك فاروق وبدأت مصر مرحلة جديدة توقع فيها عـبد الناصر تأييداً أمريكياً له ولزملائه الثوار بل إن السبب فى صدام عبد الناصر مع الشيوعيين فى بداية الثورة كان سببه على حد قول الأستاذ خالد محيى الدين فى مذكراته ( والآن أتكلم ) أنهم نشروا أهداف الثورة التى صاغها خالد محيى الدين بيده 
ومنها : 
القضاء على الاستعمار وأعـوانه الممثلين فى أمريكا وشركاتها فى مصر
والحقيقة أن عبد الناصر لم يكن يريد صداماً مع الأمريكان بل كان يريد تأييداً لبناء الوطن وليس هذا عيباً
وذلك على حد قوله فى خطاب التأميم ( ليس عيبا أن أكون فقيراً ولكن العيب استغلال الشعـوب ) وهكذا رفض
الاستغلال الأمريكى مقابل المساعـدة ورفض التدخل فى سيادة الدولة وقبل التحدى وخاض معركة البناء والتعمير
وتم بناء السد العالى ومصانع الحديد والصلب وغيرها من معالم النهضة لتلك الفترة وهكذا تحددت العلاقة فصارت
مصر رغم ظروفها عزيزة عالية وأمريكا رغم ما يشاع عنها فى أسفل سافلين لأنها لم تذل المصريين بسبب
سياسة صانع القرار الفاعـلة و التى تحركها معرفته بذاته ووعـيه بقيمة وطنه وحتى بعد الهزيمة  كانوا يلهثون
وراءه ليقبل مبادرة (روجرز) و يعـترف بإسرائيل ويسترد الأرض مقابل بيع فلسطين ولكنه رفض
ثم من الله علينا بنصر أشبه بالمعجزة  نصر أكتوبر المجيد وكان ينبغى لنا بعد هذا النصر أن نعلو أكثر ولكن المفاجأة
أننا صرنا والأرض سواء بسبب رؤية صانع القرار الذى أعلن أن تسعة وتسعين فى المائة من أوراق اللعبة
فى يد أمريكا وهى رؤية ليست قرآنا ولا إنجيلا منزلاً وإنما هذه رؤيته لقدراته وقدرات وطنه وهى ببساطة تعنى أن أمريكا
وإسرائيل أصحاب القرار ونحن إما خيال مآتة أو أموات نعم هذا ما قرره الأمريكان أن نصبح أمواتا ولكن تدريجيا
 وبالفعل فرضت أمريكا سيطرتها ولم تعد لنا سيادة ولا وجود وارتفعت الأسعار وتم التخطيط لبيع القطاع العام
ثم جاء عـصر مبارك وما أدراك ما عصر مبارك لقد انتقلت مصر من الأرض إلى تحت الأرض وتم تخريب الاقتصاد والتعليم وكل مؤسسات الدولة  والحقيقة أن مشكلة مبارك لم تكن ضعـف إدراكه لقيمة الوطن الذى هو حاكم فيه وإنما كانت
زلاته وفضائحه التى كان يريد لها أن تظل خافية من سرقات وفساد وتحالف مع اليهود ثم التوريث
ثم رحل مبارك وجاء المجلس العسكرى بعد ثورة هى كما يراها البعض معجزة إلهية لإنقاذ شعب من براثن
فساد دام لعـقود وتصورنا أننا سنستعيد كرامتنا ولكن ما أشبه اليوم بالبارحة وكأن الثورة لم تحدث بل وصارت
فى خبر كان فلماذا كل هذا التخاذل ؟!
ولابد لنا من وقفة تأمل بسيطة نتساءل فيها هل أمريكا بهذه الضخامة التى يتصورها البعـض
والإجابة من وجهة نظرى( لا ) ولك أن تختلف أو تتفق معى  عـزيزى القارئ ولكن عليك أن تستعرض تاريخ
الحروب التى خاضتها وتسأل هل انتصرت فى فيتنام ؟ لا رغم أنها دولة صغيرة وربما لم يسمع عنها الكثيرون
هل انتصرت فى العراق والإجابة ببساطة أيضاً ( لا ) والدليل اقتصادها المنهار والضغط الشعـبى على رئيس أمريكا
لسحب قواته من العراق التى أقسم يقيناً منى أنها كانت مصيدة أو مقبرة للأمريكان
وإذا كانت أمريكا بهذه الصورة فلماذا نراها بهذه الضخامة المزعـومة  الإجابة ببساطة أن السبب فى عيوننا التى
 ترى تحت وطأة التنويم المغناطيسى الذى يقوم به صناع القرار إما لتبرير ضعـفهم أو لستر فسادهم
وهناك سؤال آخر يفرض نفسه هل نحن فى حاجة لهذه المعونة بالقـطع لا فلسنا بهذا الفقر ولكن يبدو علينا الفقر بسبب
الفساد الذى حين نتخلص منه صرنا أغـنى الدول
إذن أين تكمن المشكلة إنها فى سياسة صانع القرار الذى حكم علينا بالموت وتلمس ذلك حين قامت الثورة اعتبرها البعض مؤامرة لأن الأموات ببساطة لا يثورون ولكن الحقيقة أننا ثرنا بالفعل ولسنا أمواتاً ولا ينبغى لنا أن نظل أسرى لصناع قرار
يعبثون بنا وبكرامتنا إذا كانوا لا يثقون بذاتهم أو لصوصاً يخفون جرائمهم فلا ذنب لنا فى ذلك  فلن نقبل بعد اليوم سياسة الموتى لأننا أحياء وفاعلين نثق بقدراتنا وبأنفسنا وعلينا فقط أن نحسن اختيار من يصنع قرارنا
وللحـديث بقيـة إن شاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق